الجوانب الاجتماعية للبرمجيات غير المملوكة

سأتناول ورقة بحث مقدمة من قبل الدكتور كاسترين ويبر Dr. Kastren Weber للمجلة الدولية لأخلاقيات المعلومات International Journal of Information Ethics (IJIE) يتحدث فيها بإيجاز عن تاريخ حركة البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر التي يشير لها باسم البرمجيات غير المملوكة non-proprietary software، ويحاول فيها تقديم تصور عن الخلفية الإيديولوجية لهذه الحركة الاجتماعية. كما يشير الباحث إلى عدد من المشاكل التي تتعلق بهذه الحركة، كمفهوم التمويل ومفهوم المسؤولية. وفي نهايته يقدم خطوطاً عامة يتنبأ من خلالها بمستقبل هذه الحركة.

تكمن أهمية الاطلاع على محتوى هذا البحث في رأيي بالنسبة للمسلمين في ناحيتين. الناحية الأولى استكشاف طبيعة هذه الحركة ونوعية الأدوات البرمجية التي يمكن تطويرها من خلال المنهجيات التي تطرحها هذه الحركة، أما الثانية فهي محاولة الاستناد على المرتكز الإسلامي الأخلاقي كضرورة أساسية في عملية تأسيس صناعة برمجيات محلية الأمر الذي سأحول أن أوضح بعض معالمه بعد استعراض للأفكار التي يتناولها البحث.

يشير الكاتب في البداية إلى أن حركة البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر، كحركة اجتماعية، ما زالت حركة هامشية، ولا يمكن أن تقارن بالحركات الاجتماعية الأخرى (كالحركات المناوئة للعولمة، وحركات حماية البيئة على سبيل المثال)، فمجتمعات التطوير التي نشأت عن هذه الحركة لا تمثّل بالضرورة الأفكار الأصلية التي بنيت عليها الحركة، فها نحن نجد ريتشارد ستولمان Richard Stallman، مؤسس مؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation، يوجه اللوم والانتقاد إلى مشاريع حركة البرمجيات المفتوحة المصدر Open Source Software، بسبب تركيزها على الناحية التكنولوجية دون النواحي الأخلاقية والاجتماعية، وهذا نقص كبير له دلالته عند محاولة فهم الأهمية الاجتماعية لهذه الحركة.

ويرى الباحث أن معظم النقاشات والآراء التي تطرح من أجل دعم أفكار الحركة تفتقر إلى كثير من  الموضوعية، ومن النادر أن تخلو من الموالاة أو المعارضة، حيث تكون العواطف سائدة في ذلك النوع من النقاشات.

الأيديولوجيا

عند التحدث عن الناحية الأيديولوجية (أي الأفكار الأساسية التي ينطلق منها في بناء التصور الكلي لموضوع معين)، نجد تبايناً بين البرمجيات الحرة Free Software والبرمجيات المفتوحة المصدر Open Source Software فيما يخص فكرة ملكية البرنامج. نجد في أفكار إيريك رايموند Eric Raymond، المدافع عن البرمجيات المفتوحة المصدر، تركيزاً على النواحي النفعية، أي الفوائد التي يمكن أن تعم عند إبقاء الرماز المصدر مفتوحاً. بينما يؤكد ريتشارد ستولمان Richard Stallman، السابق ذكره، وجوب بقاء الرماز المصدري “حراً” (سيتم شرح مفهوم الحرية لاحقاً)، ويرى أن هذا الأمر واجب أخلاقي تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان.

على الرغم من الاختلاف بين ستولمان ورايموند، إلا أنهما ينطلقان من المنطلق نفسه، فكلاهما يؤمن بالفكر الليبرالي (الذي نراه جاهلياً)، ويرى الباحث أن ثمة اختلافاً في فهم كل منهما لمعنى الليبرالية.

من ناحية يعتبر ريتشارد ستولمان البرنامج نوعاً من المعلومات أو المعرفة ولهذا السبب لا يجوز لأحد أن يدعي حق التصرف الحصري على الأفكار أو المعلومات لأن هذا سيؤدي إلى الضرر بالناس الآخرين. عندما يقوم بهذا فإن ستولمان يناقش من منطلق ليبرالي يساري، قريب إلى منطلق وأسلوب جون لوك John Locke، الذي يرى أنه من المحرم أخلاقياً امتلاك الموارد الطبيعية كالماء أو الغذاء دون ترك كمية كافية للآخرين، وعند ادعاء التصرف الحصري في هذه الموارد فإن هذا سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين. وستولمان قام في الحقيقة بتطبيق هذه الفكرة على عالم الأفكار والمعلومات.

هناك نقطة مهمة وأساسية في الفكر الليبرالي تشكل منطلقاً مهماً، وهي مفهوم الملكية الخاصة. فعند الحصول على بضاعة بطريقة شرعية لا يجوز أن يتدخل أحد في ملكية الفرد أبداً، وعلى هذا، فإذا حصل إنسان ما على برنامج حاسوب فهذا يعني أنه يجب أن يكون حراً، يفعل به ما يشاء، وهذا يتضمن البيع والوهب والتعديل وإعادة الهندسة وغير ذلك. وفي حال الانطلاق من هذا المنطلق، يتبين لنا طبيعة الاختلاف بين رايموند وستولمان. فوفقاً للتصور السابق، فإن الحصول على البرنامج إذا تمّ من خلال تبادل إرادي فإنه من الشرعي أن يتضمن تقييداً لحقوق الاستخدام طالما أنه تضمن موافقة الطرفين، وهذا يسمح لرايموند الذي يبدو أنه يميل إلى اليمين الليبرالي بقبول اعتبار البرنامج بضاعة وقبول مفهوم ملكية البرنامج السائد أمراً مبرراً وشرعياً، وهذا ما يرفضه ستولمان. لكن على الرغم من هذا، فإن رايموند يرى أن مفهوم ملكية البرنامج أمر ضار، ولا يرفضه انطلاقاً من مبادئ أو مفاهيم كلية بقدر ما يدعو إلى رفضه من منطلق نفعي pragmatic.

رغم المنطلق الليبرالي الذي يركز على الحقوق الفردية لكل من ستولمان ورايموند، إلا أن الباحث يشير إلى أن أفكار حركة البرمجيات غير المملوكة متأثرة إلى حد بعيد بالفلسفات الاجتماعية (التي نرى أنها جاهلية) كالماركسية Marxism والشيوعية Communism والفوضوية Anarchism، دون أن يشرح ذلك بالتفصيل، لكنه يؤكد أن هذا التناقض الذي يكتنف أفكار الحركة لا بد أن يدفعها إلى التطور والانقسام في المستقبل.

مسح تاريخي سريع

بعد تناوله للموضوع الأيديولوجي ينطلق إلى استعراض سريع لتاريخ تطور البرمجيات غير المملوكة. ففي بداية الستينيات انتشرت الحواسيب بشكل كبير خصوصاً في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، وكان على المستخدمين أن يكتبوا برامجهم بأنفسهم، حيث لم تتواجد البرمجيات المعيارية ولم تكن هناك صناعة برمجيات بعد. فكان الأشخاص الذين يقومون ببرمجة الحواسيب يشاركون تطويراتهم مع الآخرين، وكانوا بذلك يتصرفون كعلماء، وكانت تطويراتهم البرمجية تعتبر كنتيجة للبحث العلمي، لذلك فقد كان الرماز المصدري مفتوحاً. وفضلاً عن هذا، كانت المسؤولية عن النتائج المترتبة على استخدام البرنامج أمراً غائباً في ذلك المجتمع العلمي.

في أواخر السبعينيات وفي الثمانينيات حصلت العديد من التغييرات في عملية تطوير البرمجيات خصوصاً بعد انتشار الحواسيب الصغيرة (مثل Apple II وIBM PC)، والتي أدت إلى ظهور سوق للبرمجيات. وأدى ذلك إلى ظهور مفهوم ملكية البرامج، فلم يعد الرماز المصدري مفتوحاً مثلما كان من قبل. وكما يقول الباحث فقد تحوّل تطوير البرمجيات العلمي الطابع إلى إنتاج تجاري الطابع.

رفض ريتشارد ستولمان أحد أهم رموز مجتمع البرمجيات غير المملوكة أن يكون جزءاً من منظومة الإنتاج التجاري للبرمجيات الجديدة، فترك معهد MIT سنة 1984 حيث كان يعمل لعدة سنوات في مختبر الذكاء الصنعي. وبدأ بمشروع GNU، حيث أراد تطوير نظام تشغيل حر شبيه بنظام الـ UNIX، وقام بإنشاء مؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation. ويُقصد بالحرية، حرية استخدام وتغيير وصيانة وتوزيع البرنامج من قبل الجميع. ولحماية هذه الحرية، قام ستولمان بتأليف رخصة GNU العمومية GNU Public License (GPL).

وكما أشار الباحث من قبل، وبقدر التوجه ذي الطابع الأيديولوجي والأخلاقي الذي يغلب على خطاب ستولمان في حديثه عن البرمجيات الحرة، نجد النفعية غالبة في خطاب إيريك رايموند الذي أسس مبادرة البرمجيات المفتوحة المصدر في عام 1998 كردة فعل على طرح شركة Netscape للرماز المصدري لمتصفح الويب الخاص بها. فأنصار البرمجيات المفتوحة المصدر غالباً ما يتحدثون عن فوائد فتح الرماز المصدري للبرنامج، فهم يرون أن تلك البرمجيات يمكن الاعتماد عليها بشكل أكبر، كما أنها سهلة الإصلاح والتطوير.

ثم يحدّثنا الباحث عن لينوس تروفالدس Linus Trovalds الذي قام ببناء نظام التشغيل Linux بالتزامن مع مشروع GNU الذي بدأه ستولمان، وكانت نتيجة تعاونهما نظام التشغيل Linux/GNU المعروف الآن بـ Linux. وعلى الرغم من ذلك فإن تروفالدس أقرب من ناحية الأفكار إلى رايموند، وأفكاره غالباً ما تتمحور حول مبادئ نفعية، وهو نفسه يعمل في مجال صناعة البرمجيات التقليدية.

الدوافع

ونقطة مهمة يتطرق إليها الباحث، وهي أهمية إدراك الدوافع وراء تطوير البرمجيات غير المملوكة. وقد قام كل من كريم لخاني وجيمس وولف بإعداد دراسة أوسع مما أشار إليه الباحث في ورقة البحث التي نتناولها الآن (يمكن تحميلها من هذا الرابط). وعلى أية حال فإن الباحث يرى أن دافع الرفض والمعارضة للأرباح الهائلة والسياسات الاحتكارية التي تقوم بها الشركات لمنافسيها، فضلاً عن الرغبة العميقة بالاطلاع على الرماز المصدري، والاعتقاد بأن بيل غيتس يسعى من خلال شركته إلى التحكم بالعالم هي ربما الدوافع الرئيسية للمطورين. ومعرفة الدوافع لا بد أن يعطينا فكرة مهمة عن طبيعة البرمجيات التي يتم توليدها من قبل حركة البرمجيات الحرة. وهو ما سأشير إليه –إن شاء الله- في تعقيبي على البحث.

منهجية التطوير: عدم المسؤولية، واللامؤسساتية

الإنترنت هي الأداة الرئيسية في عملية تطوير البرنامج غير المملوك، ولولا هذه الأداة، كما يرى الباحث، ما كان لمشاريع ضخمة مثل Linux أو Apache Server أن تأتي إلى الوجود، لأن تطوير ودعم وتوزيع مشاريع ضخمة كهذه لا يمكن أن يتم إلا من خلال اتصالات سريعة ورخيصة وغير متزامنة بين العاملين في المشروع. في أغلب الأحيان فإن مشاريع البرمجيات غير المملوكة ترتكز على فريق ثابت من المطورين، وحول هذه النواة تجتمع حشود كبيرة من الناس الذين يدعمون عملية التطوير بطرق عدة، كاختبار إصدارات البرمجيات، أو ببرمجة الأجزاء الصغيرة من المشروع. ولكل مشروع شخص أو عدة أشخاص يدعى الصائن maintainer الذي يمثل المشروع للجهات الخارجية، والذي يقوم باختيار الكود النهائي لإصدارات المشروع.

ثم يشير الكاتب إلى عيب كبير في البرمجيات غير المملوكة وهو غياب مفهوم المسؤولية عن البرنامج. فالانضمام إلى مجتمع تطوير لبرمجيات غير مملوكة تطوعي يمكن للمرء أن يلجه بسهولة، ويمكن أن يخرج منه بالقدر نفسه من السهولة، وحتى الأشخاص ذوي المرتبة العالية في المشروع، كالصائن، لا يتحملون أي نوع من المسؤولية الأخلاقية أو القانونية عن البرنامج. وهذا الأمر يشكل مشكلة بالنسبة للمؤسسات والسلطات حين تفكر في اعتماد برمجيات غير مملوكة، وغالباً ما يدفعها هذا العيب إلى العزوف عن الدخول في تجربة مجهولة محفوفة بالمخاطر. والسبب في هذا هو أن عملية التطوير البرمجيات غير المملوكة على الرغم من تنظيمها وعالميتها، إلا أنها عملية غير مؤسساتية، وفكرة المؤسساتية داخل مجتمع المطورين مرفوضة تماماً بالقدر نفسه الذي ترفض فيه فكرة المسؤولية القانونية أو الأخلاقية.

التعقيب

لا بد لي بعد هذا العرض لمحتوى البحث أن أعود إلى النقطة التي بدأت بها، فهناك جوانب نحن معنيون بالوقوف عندها وإدراكها، خصوصاً بعد أن أصبح الإقبال على البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر يزداد يوماً بعد يوم، دون وجود رؤية واضحة ومحددة لدى الكثيرين.

النقطة الأولى هي إدراك طبيعة البرمجيات التي يمكن أن تنتجها حركة البرمجيات غير المملوكة، والتي تتحدد من خلال الدوافع ومنهجية التطوير. فمن الناحية النظرية يمكن تطوير أي مشروع، ولكن الواقع يخبرنا بغير هذا. إن نظرة سريعة لكل ناتج الحركة ستكشف لنا عن حقيقة مهمة جداً، فمعظم عمليات التطوير كانت تتم من قبل الهاكرز hackers، وهم الأشخاص الفنيون البارعون في برمجة الحاسوب وكشف الأخطاء وتتبع الثغرات (ولا نقصد بذلك المعنى الإعلامي المنتشر الذي يشير إلى المخترقين)، لذلك فقد كان الناتج موجّهاً لتأمين حاجاتهم بالدرجة الأولى. فأنجح مشاريع البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر هي مشاريع تتضمن أدوات وبنى تحتية برمجية ويشار إليها بـ LAMP أي مشاريع Linux وApache Server وMySQL وPHP/Perl، ويمكننا أن نضيف مشروع Eclipse لبناء بيئات تطوير متكاملة IDEs تدعمه شركات عدة مثل IBM لمنافسة شركة مايكروسوفت Microsoft. ونجد في غالب منتجات الحركة شيئاً من القصور في ناحية تأمين سهولة التخاطب مع المستخدمين العاديين في أغلب المنتجات. والأهم من هذا كله أن الحركة لا تقود عملية التطور المعلوماتي في المجتمعات الرأسمالية، كما أنها لا تقدّم أدوات أساسية لخدمة المجتمعات التي ولدت فيها، فهي مثلاً لم تقدم منتجات محترفة في مجال التصميم بمساعدة الحاسوب Computer-Aided Design (CAD)، وهذا النوع من البرامج أساسي في المجتمعات الغربية التي تعد مجتمعات صناعية بالدرجة الأولى. وعلى أية حال، فإن هذا كله طبيعي ومفهوم في ضوء معرفتنا التي اكتسبناها حول طبيعة حركة البرمجيات غير المملوكة والدوافع الكامنة وراء عملية التطوير. لذلك فإن تفكيرنا بأن مجرّد الانتقال إلى موجة هذه الحركة، سواءً من ناحية الأفكار، أو من ناحية استيراد وغرس التكنولوجيا التي صنعتها هذه الحركة لن يكون كافياً لنا. فهذه الحركة عجزت، بعد هذه الفترة الطويلة، عن أن تقدم أدوات معلوماتية كاملة لتسير بها مجتمعاتها، فكيف يمكننا أن نفكر أن هذه الحركة ستقدّم للدول النامية أدوات معلوماتية لتنمية المجتمع وحل مشاكله؟ هذا لا يعني أن استيراد التكنولوجيا التي ولّدتها صناعة البرمجيات الرأسمالية هي الحل، أو أنها أفضل. نعم، لا بد أن ثمة دوافع مشتركة موجودة، ولكننا يجب أن لا نتجاهل الفرق الشاسع بين الأفراد الذين يحاولون التحرر من رق الشركات الرأسمالية في مجتمعاتهم، وبين من يريد لأمة كاملة من البشر يزيد تعدادها عن مليار إنسان أن تستقل تماماً عن سيطرة المجتمعات والقوى الرأسمالية، حتى تستطيع أن تقود هذه البشرية، وتحكمها بمنهجها القويم، وتردها إلى جادة الصواب، وتقوم بتحقيق غاية وجود الإنسان في الكون. فهذا الفرق الضخم هو تماماً كالفرق بين من يبني سفينة ليقطع بها النهر، وبين من يريد أن يبني سفينة ليخوض بها عباب المحيط. فالشيء الذي لا بد من أو يوضع بالحسبان هو أنه لا مفر لنا من أن نبدأ بالعمل انطلاقاً من مرتكزاتنا نحن، ومن خلال رؤيتنا الخاصة للكون وغاية الحياة من جهة، وإدراكنا لاحتياجات واقعنا.

هذا يقودني إلى النقطة الثانية. فلقد تبين من خلال العرض السابق ارتباط مسألة التعامل مع البرمجيات بالقيم والأخلاق والمعايير فضلاً عن المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية، لذلك فنحن نجد أنفسنا بحاجة ماسة إلى تأصيل إسلامي للموضوع.

بالإضافة إلى أهمية الارتكاز على المبادئ الإسلامية، فإن إقدامنا عليها ما هو إلا إقبال على مبادئ مرتبطة بنظام حياتي اجتماعي واقتصادي متكامل، وهذا أمر بالغ الأهمية في الحقيقة: فأحد أهم أسباب عدم نجاح حركة البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر في قيادة عملية التطوير المعلوماتي في المجتمعات الرأسمالية، هي أنها لم يكن لها مرتكز فكري متين، فمعظم العاملين في هذا المجال يفضلون الابتعاد عن الناحية الإيديولوجية، وحتى أكثرهم تمسكاً بها، ومنهم ريتشارد ستولمان، يرفض أن يركن إلى أي نظام اجتماعي أو اقتصادي في طرح أفكاره، فهو، في نفس الوقت، يرفض ممارسات الرأسمالية، ويذب عن نفسه الاتهامات بالشيوعية، لذلك فكانت أدوات التطوير البرمجية قاصرة –كما أشرت- في مجتمعاتها وغير مجتمعاتها. أما حينما تكون الرؤية مرتبطة بالإسلام، فإن هذا سيتيح لنا استخدام الأدوات الاجتماعية والاقتصادية التي يبنيها نظامه الروحي، فنتمكن من حل العديد من المشكلات بوسائل مبتكرة بالنسبة لغير المسلمين الذين يعيشون في ظل الأنظمة الرأسمالية. وكمثال أسوقه لتوضيح الفكرة، يمكن استخدام فكرة الوقف في تطوير برمجيات غير مملوكة من خلال مؤسسة وقفية، وهكذا يمكننا سد ثغرة كبيرة تعاني منها حركة البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر الحالية، وهي فكرة التطوير المؤسساتي، الذي يهدف في النهاية إلى تنمية تعامل المجتمع مع المعلومات التي يتداولها، فضلاً عن تحقيق استقلال هذا المجتمع عن المجتمعات الأخرى، وهكذا يمكن أن يتولد لدينا كم ضخم من البرمجيات ذات النوعية العالية، والتي تظلّ ملكاً عاماً للأمة، يمكن لأي شخص أو مؤسسة أخرى، من الأجيال الحالية أو الأجيال اللاحقة، أن تتولى عملية التطوير لهذا التراث البرمجي ليتواءم مع حاجات الأمة ومع التحديات التي تواجهها.

وهذا لا يعني أن النتيجة ستفترق عما وصلت إليه حركة البرمجيات الحرة أو أنها ستلتقي به بالضرورة، فهذا الأمر لا يمكننا أن نتنبأ به في الحقيقة، والأهم من ذلك أنه أمر غير مهم على الإطلاق، بل المهم هو الانطلاق من رؤيتنا الخاصة للكون والحياة ومن نظمنا ومبادئنا وأخلاقنا، فيغدو جزء كبير من حياتنا متسقاً مع باقي الأجزاء ومتكاملاً معها، بدل أن يكون تابعاً لأفكار وعقول الغير.

الأوسمة: , ,

11 تعليق to “الجوانب الاجتماعية للبرمجيات غير المملوكة”

  1. حامد السحلي Says:

    السلام عليكم

    شكرا أمجد لإتحافنا بمقالتك تعقيب بسيط على بعض الأفكار:
    النقطة المحورية التي أشرت لها هي تصنيف البرمجية على أنها معلومة وهي بالتالي ليست ملكا لأحد بما في ذلك من اكتشفها… ونحن نقف اليوم بين إشكاليتين الأولى تتمثل في عدم جواز كتم العلم مع المحافظة على حق حامل العلم في العيش الكريم والثانية كوننا من ناحية النظام القانوني والإقتصادي تابعين كليا للآخرين وبالتالي فقد اعترفت معظم الأنظمة الحكومية لدينا بما يسمى حق الملكية الفكرية ومن ثم جزء كبير من مجتمع الفقهاء المسلمين حتى يكاد البعض يعتبرها أصبحت مسلّمة.
    تاريخيا حافظ الإسلام على اعتباره المعلومة ملك للجميع لا يجوز احتكارها ولكن لم تتطور آليات ومفاهيم راسخة لتقنين ذلك عمليا.. فبالرغم من الرفض الفقهي للكذب وبدرجة أقل التدليس والانتحال إلا أنه لم تتطور آليات لاعتبار هذه الأمور جرائم وفي حالات معينة استخدمت السلطات هذه الحجة للاضطهاد السياسي بالتالي رفض المجتمع بعمومه فكرة التجريم هذه وقاد هذا إلى ظهور نشاط ضخم للحفاظ على مصداقية مصادر التشريع وتطور علم الجرح والتعديل كجهد فقهي لا أثر قانوني له ثم تداعى الرفض الاجتماعي مع القرن الرابع الهجري إلى أن تسرب ذلك لطبقة الفقهاء من قاعدتها في عصور الانحطاط
    أدت ثورة انترنت إلى ظاهرة جهد تطوعي إسلامي لم يخل للأسف من السرقة والانتحال بدون أي إطار قانوني أو وضوح في الرؤية وانصب معظم الجهد في المجالات الدينية وإلى حد ما الأدبية واللغوية
    على صعيد البرمجيات ما يزال معظم الجهد في إطار التوطين وبسبب عدم تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية فإن الأهمية الاقتصادية لتوطين البرمجيات غير واضحة لمعظم الناس وهذا يجعل المهمة صعبة وقليلة المتطوعين لانعدام الجدوى على أرض الواقع
    نسبيا استفادت العربية من هذا الوضع الشاذ إذ حظيت أبحاث الحوسبة اللغوية باهتمام جزء من المطورين “القلائل جدا أصلا” أكثر نسبيا مما تحطى به هذه الأبحاث من جهود المطورين المتطوعين في الغرب…

  2. الأمجد توفيق Says:

    أشكركم كثيراً على تعقيبكم الكريم على المقالة.

    بالنسبة لما يسمى بالملكية الفكرية، فهي من الأمور المستحدثة. ولم يكن الجانب المالي منها معروفاً في الحقيقة في التراث العلمي للحضارة الإسلامية، فقد كان العلماء يعتبرون ذلك من كتم العلم. وقد كان الأمر بدهياً إلى درجة أنك إذا حاولت أن تبحث عن الأمر فإنك لن تجد ما يساعدك في إقرار مفهوم الملكية الفكرية. وفقهاء اليوم ينقسمون بين من يرفضون مفهوم الملكية بحد ذاته، وفقهاء آخرون بين من يجيزونها من منطلق أنها من العرف الذي لا يعارض الشرع، وهذه نقطة مهمة. فهي -إن كانت مسلّمة بالنسبة للبعض- مسلمة فقط في الحالة التي لا تؤثر فيها على مقاصد الشرع. والحقيقة أننا لم نعرف سطوة الملكية الفكرية في بلادنا بعد بسبب عدم تطبيق القوانين بالصرامة ذاتها التي تطبق في بلاد منشئها. ولهذا فأنا أظن، وبسبب عدم احتكاكنا مع الأمر بشكل جدي وكبير، لم نصل إلى الاجتهاد الصحيح بعد، وما زال الأمر مفتوحاً، ولاسيما في عالم البرمجيات (لأنه عالم فريد حتى عن عالم براءات الاختراع، والمخططات الصناعية). فعدم وجود رؤية واضحة ومحددة راجع إلى حداثة الأمر.

    لا أعرف إن كنت قد فهمت مقولتكم التالية بشكل صحيح، “تاريخيا حافظ الإسلام على اعتباره المعلومة ملك للجميع لا يجوز احتكارها ولكن لم تتطور آليات ومفاهيم راسخة لتقنين ذلك عمليا.”.قد تكون عبارتك تلك صحيحة، ولكنني أظن أنه لم يكن هناك من داع لأن تتطور تلك الآليات، لأن العلم كان منتشراً، ولم يكن لأحد أن يكتمه! . بل إن قضية العلم ونشره وردّ البشرية إلى جادة الصواب، وتعليمها الحقائق الأساسية عن هدف هذه الحياة وغايتها ومغزاها كان محور الحياة السياسية والعسكرية، ولو كان ذلك يعني مواجهة واقع ضخم (كتجبر أكاسرة الفرس وقياصرة الروم). وأذكر أنني قرأت مرة بعض الاجراءات التي اتخذتها الدولة لمنع بعض ظواهر كتم العلم، منها ما فعله الخليفة هارون الرشيد عندما أرسل إلى أحد مدن الهند يطلب منهم نفائس كتب الرياضيات التي كانت لديهم، فما كان منهم أن امتنعوا عن هذا، وقتلوا الرسول، فأرسل إليهم بسارية أو قطعة من الجيش (لا أذكر بالضبط)، وأجبرهم على إعطائه ما أراد. فإذا كانت الدولة تتعامل بهذا الحزم مع أناس خارج دولتها (فلم تكن الهند جزءاً من الدولة العباسية)، فكيف مع من تعلم أن لديه علماً ويكتمه داخل أراضيها وحدودها؟

    أما بالنسبة لحق حامل العلم في العيش فهذا شيء محوري، وهو العقبةالأساسية -كما أشرتم- في الحقيقة. ولكن لننظر كيف كانت تتعامل الأمة معها من قبل، وكيف نتعامل معها الآن. لقد كانوا يرون في أمور كبيرة جداً -كالخلافة- أمراً لا يجب فيه دفع المال! فالخليفة الأول أبو بكر (رضي الله عنه) ذهب في اليوم الثاني إلى السوق ليكسب شيئاً يقوت به عائلته! ولكن الصحابة رأوا أن من مصلحة الخلافة أن يتفرغ الخليفة لها، لذلك رأوا أن يتم تخصيص شيء للخليفة من بيت المال: ولكن ذلك لم يكن مقابل وجوده كخليفة، وإنما كان ليساعده على أداء حق الخلافة. والشيء ذاته كان في العلم. أما الآن، فتحوّل العلم إلى سلعة بحد ذاته، وهذا هو الخطأ. فهناك فرق كبير بين أن يكون المال هو هدفك من العلم، وبين أن يكون المال هو وسيلة لك لتتفرغ للعلم. وهنا تكمن أهمية الوقف في عصرنا. فطالما أن المجتمع بأكمله سيستفيد من العلم، إذاً لا بد من أن يقوم المجتمع بإعانة العالم على التفرغ للعلم. (وتكمن فكرة الوقف في حد ذاتها بالنسبة للنقطة التي ذكرتها عندما تحدثت عن مثال تجريم الفعل). أما طريقة التفكير الرأسمالية، فترى العلم كسلعة وخدمة تقدّم مقابل المال، وتحتكر وتغلق وسائل توزيعها، لضمان بقاء صفة السلعة عليها، وهذا كتم للعلم ومنع لانتشاره من أجل المال.

    وإذا كان ثمة من حاجة لتطور آليات ومفاهيم لمنع كتم العلم، فنحن بحاجة إليها الآن، في هذا العصر الفاسد الذي أصبح كتم العلم هو السمة الأساسية فيه. لأن الموجّه العام للمجتمعات البشرية اليوم (وللأسف مجتمعاتنا أيضاً) هو المصالح المادية، وليس القيم أو المبادئ أو الأخلاق. وعدم وجود مفاهيم وآليات جاهزة بين أيدينا لا ينبغي أن يقعدنا عن العمل أو التفكير، لأن السبب، بكل بساطة، أن الظروف تغيرت، وأن ما لم نكن بحاجة له من قبل، أصبحنا بحاجته الآن.

    وأعتذر منك يا أستاذ حامد، إلا أنني لا أعرف شيئاً عن توطين البرمجيات، وبالتالي أرجو أن تعذرني: فلم أفهم كيف ساهم الوضع الشاذ في خدمة اللغة العربية.

  3. حامد السحلي Says:

    السلام عليكم

    توطين البرمجيات “الحرة” هو ترجمة الواجهات وملفات المساعدة للغة العربية ليصبح البرنامج عربيا كأوبن أوفس وموزيلا وتوزيعات لينكس…. الخ
    عدم وضوح الجدوى لهذا الجهد جعله ضعيفا ودفع بالعديد من المطورين للاهتمام بحوسبة اللغة أي المرحلة التالية من القفزة الرقمية التي لم تظهر آثارها بعد أي الترجمة الآلية ومحاكاة الحاسوب لفهم الإنسان للغة وقراءة النصوص الإنسانية والتفاعل معها وتوليدها… الخ
    وقد كان ضعف جدوى حركة التوطين ودعم البرمجيات الحرة أثر في ذلك إضافة للدوافع الدينية أو القومية في توجه المتطوعين الفاعلين إلى هذه المجالات التي يتصورونها أكثر جدوى وأنا أظنها كذلك.

    نعود إلى مفهوم العلم وحماية انتشاره:: الحماية هي في جانبين منع كتم العلم وهذا الجانب الأبسط من الجانب الآخر الذي هو حماية العلم من التشوه نتيجة الانتحال والكذب والتدليس… وأوضح مثال هو علم الحديث فلم تكن المشكلة هي كتمه أو طلب أجرة على التحديث بل كانت المشكلة هي الكذب والوضع وهو ما تطلب جهدا هائلا لنفي هذا الخبث ما زال مستمرا ويسبب جدلا وخلافا إلى يومنا هذا.
    ولو لم يكن هناك شبهة فساد السلطة لوفرت الأمة هذا الجهد الهائل في جوانب أخرى… ولكن أنظر فهارون الرشيد اقترح على الإمام مالك تعميم موطئه فرفض مالك محتجا بأن أصحاب النبي تفرقوا في الأصقاع فربما لم يصله بعض علمهم… بعد عشر سنوات اقتيد الشافعي تلميذ مالك مقيدا بالسلاسل من اليمن إلى هارون الرشيد في بغداد بتهمة التآمر على الدولة لأنه تجرأ كقاض وأقام حدا على ابن أخت والي اليمن.
    حتى اليوم تجد من يدافع عن المنصور جد هارون في قتله ابن المقفع بتهمة الزندقة وكل ذنبه أنه كتب العهد بين المنصور وأبي مسلم الخراساني والذي بموجبه دخل أبو مسلم بغداد “آمنا” فغدر به المنصور وقتله ثم ألحق به مناصريه بتهم شتى.

    هذا هو ما قصدته في أن الأمة لم تستطع تطوير آليات لحماية العلم… لاحظ أنه لولا الردع الصارم لاختراق الحسابات لفقد الناس ثقتهم بالتجارة الإلكترونية ولولا العقوبات العنيفة بحق صانعي البرامج التخربيبية أو التجسس لما تطورت البرمجيات عموما ولخاف الناس من استخدامها فالعلم بحاجة للثقة به
    {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122

  4. الأمجد توفيق Says:

    جزاك الله خيراً على توضيحك، وأظن أنني فهمت ما كنتم ترمون إليه. أرجو أن تسمحوا لي، بناءً على هذا، أن أتوجه إليكم بسؤالين.

    الأول: هل تعتبر الفشل في التقنين الذي أشرت إليه، فشلاً في أداء المهمة بحد ذاتها؟

    الثاني: هل توافقني الرأي بأن ما ترمي إليه عندما تتحدث عن حماية العلم من الكذب والانتحال إنما يندرج تحت ما يمكن أن يسمى بالوثوقية؟ وهو مستوى ثاني يقع فوق المستوى الأول الذي تناوله البحث؟ (وهو مستوى عدم كتم العلم).

    وبما أنكم على علم واهتمام شديدين بالموضوع، أود أن أنقل لكم فكرة لأحدهم تخص موضوع الوثوقية في عالم المعلوماتية بشكل عام والإنترنت بشكل خاص. فأحد “ميزات” الإنترنت في عصرنا الحالي، وكما يقول الرسم الكاريكاتوري الشهير: “على الإنترنت، لا يعرف أحد أنك كلب” (طبعاً أجل الله كل من يقرأ هذه الكلمات!). وهذه نقطة مهمة بالفعل، لأن هذا الأمر ليس ميزة بشكل دائم، وخصوصاً عندما نتحدث عن العلم والمعرفة. ففي العالم الواقعي، عندما يشتري الشخص كتاباً ما، فإنه يكون على درجة عالية من العلم بأن صاحب الكتاب موافق على كل كلمة موجودة في الكتاب المطبوع (ربما قد تحصل بعض الحالات الشاذة، والتي سرعان ما يتم اكتشافها، لكن بشكل عام، هذا اليقين موجود). أما في الإنترنت، في وضعها العادي، عندما تستقبل ملفاً نصياً عادياً نُسِب محتواه إلى شخص ما، فما الذي يدرينا أن هذا الشخص موافق تماماً على كل كلمة نسبت إليه؟ والحقيقة، أنه لا يمكنك أن تتأكد من أن ذلك الشخص موافق على ما نسب إليه إلا من خلال أدوات من العالم الواقعي (مثلاً الحصول على نسخة ورقية من الكتاب، أو الحصول على النسخة من شخص تثق به، وهكذا). لذلك لا بد من وجود بنية تحتية وثوقية لتبادل الوثائق العلمية والمعرفية. فالفكرة المقترحة هي إنشاء نظام برمجي مرتبط بشبكة مثل شبكة الإنترنت، على غرار برنامج Acrobat Reader، فتكون لدينا لاحقة خاصة مثل adf (اختصاراً لـ authentic document format)، ويتيح البرنامج للمستخدم أن يستعلم عن وثوقية الملف الموجو د (مثل صحة نسب العمل إلى مؤلفه، ومدى مطابقة النسخة لنسخ معيارية معينة) ويمكن أن يقوم بهذه المهمة مؤسسات مختلفة لها مصلحة أو منفعة للقيام بذلك، مثل دور النشر أو المكتبات أو المؤسسات التعليمية أو الوزارات المعنية (أو حتى الأفراد الذين يرغبون أن يقوموا بهذه العملية لوثائقهم الخاصة)، وكمحصلة نهائية، يمكن للمستخدم من خلال المنظومة هذه أن يتبين الجهات التي تؤكد له وثوقية الوثيقة التي بين يديه، وكلّما زادت عدد الجهات التي توثق المستند كلما زادت وثوقية الملف الذي وقع بين يديه.

    وقد أخبرني أحد الأصدقاء أن مثل هذه الأدوات موجودة بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن فكرة المشروع مكررة، وذلك لسببين:
    السبب الأول أن الأدوات الموجودة لها توجّه آخر، غير التوجّه الذي نبغيه، فهي موجّهة بالأصل لتوثيق أمور مثل المعاملات التجارية والوثائق الحكومية، ولا تستخدم هذه الأدوات لتوثيق العلم والمعرفة.
    السبب الثاني: حتى إن اتفقنا على استخدام الأدوات الموجودة، فإننا سنجدها أدوات منتجة من قبل شركات احتكارية، وهذا يعارض ما نهدف ونصبو إليه من ناحيتين: الناحية الأولى هي أن تطوير الأدوات الموجودة لخدمة أغراضنا سيكون باهظ الثمن، وسيجعلنا أذلاء لتلك الشركات وتابعين لها، أما الناحية الثانية وهي الأخطر، هي أننا سنضر بالجهود المبذولة لمنع كتم العلم، فما الفائدة من تلك الجهود، إذا كانت أدوات توثيق العلم وتحصيله بشكل مضمون أدوات محتكرة ليست متاحة للجميع؟

    وعلى أية حال، فقد أخبرني صاحب الفكرة أنه ليس قادراً في الوقت الحالي على القيام بها، لأنه مشغول في الدراسة (ولولا أن وضعي مشابه لوضعه لما ترددت في العمل، فأنا ما زلت في السنة الأولى في الجامعة). والفكرة مفتوحة لكل من يريد أن يعمل بها أو أن يطوّرها، بشرط أن لا تستغل الفكرة من قبل مجموعة من الشركات، فيصبح العلم في يدها تحبسه عن الناس مقابل الحصول على المال.

  5. حامد السحلي Says:

    بسرعة واعذرني..

    الفشل في التقنين كان فشلا في وضع الآلية التي تتيح للمسلمين التطور وليس مجرد البقاء مع الحد الأدنى من التطور التلقائي فالتوثيق وجد واستخدم فقط للحفاظ على العلم الشرعي وبقيت كافة جوانب المعرفة مشوبة وبالتالي لا يعتمد عليها.. وهذا سؤالك الثاني موثوقية العلم ليست مستوى ثانيا بل هي المستوى الأساس والأهم من عدم كتمه:: ماذا لو علمت أن كل ما تلقيته من معلومات في المدارس محتمل الخطأ بنسبة 10% فقط؟ هل باستطاعة أي كان بذل الجهد للتحقق؟ إذا كان 1% من الدواء الموجود في السوق ساما هل سيتناول أحد الدواء إلا للضرورة القصوى جدا؟
    أرجو أن تكون فكرتي حول أن العلم لا ينفصل عن موثوقيته وبدونها لا وجود له قد وصلت.

    الفكرة التي تطرحها هناك حاجة لها لما يسمى بالتوثيق المادي أي في الأمور التجارية أما في العلم فتتيح انترنت آليات توثيق لا بأس بها أو حتى فائقة وحرة ولكن مشكلتها كمشكلة البرمجيات الحرة بالكامل أنها صنعت على قياس المحترفين وليس الأشخاص العاديين وهذا طبيعي في البداية.
    لا حاجة للتوثيق المادي للمعلومات ولكن هناك حاجة للتوثيق التسلسلي أي اعتماد سلاسل شجرية من البشر الحقيقيين الذين يصادقون على بعضهم لإعطاء مصداقية للعالم الافتراضي.

    • الأمجد توفيق Says:

      ولكن أليس من المهم أن توضّح مفهوم التوثيق في هذه الحالة؟ فالعلم لفظة عامة جداً. وهناك العديد من الأمور التي لا بد من تمييزها. فهناك فرق بين النقل والاقتباس وبين نتيجة بحث وتجربة. فتوثيق المجال الأول أمر، وتوثيق المجال الثاني أمر آخر تماماً. والحقيقة أنه لا توجد حقائق نهائية في المجال الثاني، أي أنك لا يمكنك أن تقول أن نتيجة بحثي موثوقة وأنها سليمة من الخطأ تماماً، أليس هذا صحيحاً؟ وتوثيق هذه النتيجة إنما يكون بمزيد من البحث وبمزيد من التجارب.

      وعلى أية حال، أرجو أن تخبرني، كيف ترى إمكانية توثيق النمط الثاني من العلم. إذ كنت ترى طريقة أخرى.

      بالتأكيد معك حق في عدم الفصل بين العلم وتوثيقه من الناحية الفكرية، ولكنني كنت أتحدث من الناحية التقانية أو العملية. فعملية توثيق العلم تأتي بعد عملية إنتاجه، وعملية التوثيق إنما هي عملية فرز وإعادة تنسيق لما يتواجد بين يديك من علم.

      إن الحفاظ على المصدر التشريعي سليماً على مدة أربعة عشر قرناً أمر لا يستهان به، وهو أمر لم يحصل على الإطلاق في أي أمة على وجه الأرض. ولا أعرف ما هو السبب الذي يدفعك إلى الاستهانة به. وكأن المسلمين قصّروا في توثيق القرآن والسنة النبوية الشريفة، في حين أن الصورة هي على العكس تماماً.

      أشكرك على إضافتك لفكرة المشروع، وإن شاء الله، لا بد أن يستفاد منها عندما يرى المشروع النور. وفكرة السلاسل البشرية هي بالفعل فكرة مهمة جداً.

  6. حامد السحلي Says:

    رابط

    رابط

    المعلومة حتى لو كانت تجريبية فهي خبر أي من حيث نقلها للآخرين.. سواء أكان المقصود أن باب عرفتي أزرق أم أن التصادم في المسرع سيرن دل “وفق شروط تجربة سيرن” على وجود الكوارك توب فهي بالنسبة للآخرين خبر وهذا ما يجب حمايته من الكذب عندها ستمنح هذه المعلومات مصداقية بحسب آلياتها وهذا موضوع آخر تماما
    http://groups.google.com/group/fantazzia/

    وحتى بالنسبة للمصدر التشريعي لم يتم الحفاظ عليه تماما… فهناك خلل كبير في الجانب المتعلق بالحكم والسياسة وهذا خلق التضارب الذي سيستمر إلى قيام الساعة

    • الأمجد توفيق Says:

      نعم، لكن توثيق ذلك النوع من المعلومات يتم فقط من خلال تأكيد أن المصدر قال ذلك، وهذه هي النقطة. أنت تقول أنك تريد بالإضافة إلى ما سبق، معرفة ما إذا كان ما توصل إليه صاحب الاقتباس صحيحاً، وهذا لا علاقة له بالتوثيق من الناحية التكنولوجية. وهذه النقطة التي أظن أنك لم تجبني عليها.

      أما بالنسبة للمصدر التشريعي، فهذا كلام ليس محلّه هنا، ولكن على أية حال، أريد أن أقول، أن ذلك الأمر صحيح بالنسبة لنتائج توصّل إليها الفقهاء في عصر معين، لكن النبع الصافي موجود،ولا أحد يستطيع إخفاؤه، حتى ألد أعداء الإسلام، لكن الذي يحصل هو تغييب تلك المصادر (وقد تكون آيات قرآنية) من الخلفية الفكرية للناس.

  7. حامد السحلي Says:

    يكفي فقط توثيق صحة الخبر، فإذا كان مهما لأحدهم فعليه أن يوثق صحة محتواه وهذا كاف تماما وهو مقبول عالميا حاليا.
    هذه الصفحة تقول إن هذا الحوار بين حامد وأمجد والتوثيق الذي تحتاجه هو لهذه الجزئية ولأي توثيق ضروري لحامد وأمجد كشخصين فمن يقرأ إما أنه مهتم بالمحتوى فقط أو أنه “كثيرا” يكتسب المحتوى أهمية بحسب قائله فهي مصداقية إعلامية تراكمية أوضح مثال عليها هو العلوم الشرعية

    فإذا وثقنا أن الشافعي قال ذلك فبالنسبة لمعظم الناس يكتفون بهذا ولا يحاكمون المحتوى “أنا لست منهم” فهو بالنسبة لهم نتيجة اجتهاد صحيح بسبب المصداقية الاجتهادية التراكمية التي حظي بها الشافعي من أقرانه وتلاميذه والناس

    غير صحيح أن المصدر التشريعي “بأكمله” موجود… خذ مثالا الخلافة الراشدة قامت على أساس قول الرسول “ص” “الأئمة من قريش” وللأنصار “منا الأمراء ومنكم الوزراء” وهذا الكلام ليس مستفلا عن سياقه فالنتيجة أي حصر الخلافة بقريش هي فهم الصحابة للكلام الذي لم ينقل لنا سياقه… ولكن نقل لنا سياق قوله “ص” لعلي (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) والسياق دل على أنها لم تكن تفضيلا مطلقا لعلي بل تفضيل لإدارة المدينة أثناء غياب الرسول في غزوته… هذا الربط بين السياق ومجمل النقول (أو حتى الملاحظات) هو الاجتهاد أو سمه البحث والتمحيص العلمي ونحن لا نبحث بتوثيقه بل توثيق سياقه ونقله فقط

    يدعي الأمريكيون أنهم أرسلوا 12 رحلة مأهولة إلى القمر 1969-1975 أربع منها هبطت.. اليوم هناك من يقول إن هذا كان دعاية إعلامية ولا سبيل للتحقق من ذلك وقد تبقى إشارات الاستفهام هذه للأبد كما في وصول المسلمين لأمريكة

    • الأمجد توفيق Says:

      أظن أنني الآن استطعت أن أوصل الفكرة، فجوابك التالي هو ما أردته: “كفي فقط توثيق صحة الخبر، فإذا كان مهما لأحدهم فعليه أن يوثق صحة محتواه وهذا كاف تماما وهو مقبول عالميا حاليا.”

      فالمستوى الثاني من التوثيق ليس مرتبطاً على الإطلاق بالناحية التقنية أو الفنية أو بأية آلية محددة ولا يمكن إيجاد إطار عام للتحقق منه، إنما هو أمر مرتبط بالحياة وطبيعتها، فعلى الإنسان دائماً أن يبذل جهوداً ذاتية أكبر للتوثق من صحة المحتوى. وما يعنينا في الناحية التقنية هو التوثيق ضمن المجال الأول بالاستفادة من المعايير الإسلامية.

      لقد أشرت في حديثك عن نقل السياق إلى مسألة مهمة جداً. ولكن قبل أن أشير إليها أود أن أقول، أننا لا يمكننا أن ننكر أن السياق لم ينقل، لأن السياق يتشكل نتيجة اجتماع وتراكم النصوص والمعلومات. فأنت تقول أنه لم ينقل سياق الحديث إليك، ولكنك عرفته، وكان ذلك نتيجة مجموعة من المعلومات الإضافية التي كوّنت لك هذا الفهم للسياق، وبالتالي كوّنت لك فهماً جديداً للحكم. وهذه القضية أشار إليها العديد من العلماء من قبل، وكانت هذه الإشارة أوضح في الحديث عن السياق اللغوي في فهم القرآن على سبيل المثال، فيجب التحري في فهم اللغة العربية كما كانت في عهد العرب، ولذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “عليكم بديوانكم لا تضلوا”، فقال له سامعوه: وما ديواننا؟ قال: “شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم”.

      ومن خلال هذه النقطة يتبين لنا الثغرة الموجودة لدى المنهج الذي يتخذه بعض المسلمين ممن يدعون السير على نهج السلف الصالح، والذين يعتبرون مجرّد الإتيان بالحديث اجتهاداً، ولذلك ترى صغيرهم الذي يعرف القليل من العلم يطعن بكبار مجتهدين، معتقداً أنه على صواب.

      فنقل السياق لا يتم بالطريقة نفسها التي يتم فيها نقل النص، وإنما يتم نقل السياق من خلال الرجال، لأنه من العسير على جميع المسلمين أن يلموا بكل النصوص والأحداث والوقائع والظروف ومختلف الأمور التي تشكل السياق، مع التأكيد على مقولة الرسول (ص): “استفت قلبك، وإن أفتوك، وإن أفتوك” التي تؤكد على أهمية المسؤولية الفردية، في النهاية، في تحديد أعمال الإنسان.

  8. “حكم نسخ البرمجيات” !! « مدونة الأمجد توفيق اصطيف Says:

    […] غير كاف على الإطلاق بالنسبة لنا [يُراجع بتوسع تدوينة “الجوانب الاجتماعية للبرمجيات غير المملوكة” للمدوّن]، ولا يمكن أن يبرر هذا لأمة مؤلفة من مليار […]

اترك رداً على الأمجد توفيق إلغاء الرد